أمــــى7

و الثبات على الأخلاق و الإرادة العالية فى تحقيق الأهداف
و فكرة الحق و الخير .
علت بأسلوبها التربوى
و طريقتها العملية فى غرس القيم
فأحالت الصور الخيالية واقعا ملموسا أمام أبنائها
حتى لا تبقى سبيلا لتعقيد الطبع أو كذب الخلق
و حتى لا تصرف أبناءها إلى حياة الأحلام و الطيش و الفراغ
و لتظل القوة النفسية للأبناء عالية سامية ترى الواقع على حقيقته .
نسمع منها تلك القصص و الحكايات

و نعايشها نراها على حقيقتها
نسمع ما يقال على ألسنة أصحابها
و نرى كل الحياة المحيطة بهم
نستشعر أحاسيس الأبطال
و نخوض المعارك خلفهم ممسكين بأسلحتهم و أقلامهم وكتبهم
و نخاطب أهلهم و نعاملهم .
تتوالى الإسقاطات التاريخية على حياتنا و على مجتمعنا مطرا من تلك القصص و الحكايات
فنحياها أكثر و نتذوق عبق الحياة الحقيقية فيها
, فمع تنوعها : دينية و تاريخية و واقعية و شعبية
لم تبد كلها إلا واقعا نحياه و نعيشه
و أمى مع ذلك تدفع إلينا بالقصص لقراءتها .
كانت تصطحبنا أو تدفعنا إلى ذلك المكان الرائع أمام ظلال الأشجار الوارفة على شاطئ النهر – وقتذاك -
إلى المكتبة العامة بالمدينة
و التى ضمت طابقا سفليا ضخما
أعد خصيصا لمثل هذا السن
مزودا بعدد لا يحصى من القصص و الكتب و المجلات المصورة
التى تبدو كبحر رائق ممتع
يغرى من يراه ليسبح فيه
, فكنا نخوض عبابه الهادئ
و نرسو على جوانبه اللينة
ليقص كل واحد منا ما قرأه على الآخرين
بطريقته و بأسلوبه
, و تتابع أمينة المكتبة هذه القصص و هذه الحكايات بابتسامة
لا أذكر من شخصها إلاها .
عرفنا حقيقة الواقع و ميزنا بينه وبين الخيال الهش
فلم يلتبس علينا خيال قط
بل نصنع الخيال لعبا نهزأ بها .
كان الناس يتحدثون عن العفاريت
و عن أماكنها وتصرفاتها

فلا نخشى السير فيما لا يسيرون فيه
و لا نخشى البقاء فيما لا يبقون فيه
فعشنا طفولتنا كلها فائزين فى الألعاب التى تعتمد على الاختباء
, لاختبائنا فى أماكن يخشى أقراننا الذهاب إليها
حتى وصل الأمر مرة إلى تحدى البعض لى فى حقيقة ظهور هذه المخلوقات من عدمه
, ذلك حينما بدأ عفريت يظهر للصبية فى بعض طرقات الشارع المظلمة
فيولون الأدبار أمامه .
علمت أمــــى أننى أنا من يلعب دور العفريت
بعد أن رأت هذا الوجه المخيف مخبأ بين ثنايا الفراش !!!
فإذا بها تحاورنى فى الأمر مخبرة إياى
أننى بذلك قد أفقد قضيتى
بل لعلى أكدت فكرة ظهور العفاريت
و أعلمتنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ترويع الناس
كما أن هذا المضطرب المفزوع قد يدفعه رعبه إلى فعل شئ يدفع به ضرر العفريت الذى فى مخيلته عن نفسه
مما قد يصيبنى بأذى
و طلبت منى الاستفادة من الأمر
و الاكتفاء بما حدث
و إخبار الجميع بالحقيقة
حتى أثبت رأيى و أوضح ما هم عليه من خطأ فى الفهم .
أما فى رمضان فالحال مغايرة
فكل القصص محمدية
وكل الأوقات تعبدية
لم نرها تطعم شيئا أبدا فى نهار رمضان
وكأنها صائمة أيام الشهر جميعها
فحرصت على ألا يراها أبناؤها مفطرة صغارا غير مدركين
أو كبارا واعين
حتى ظل هذا ديدنها فى أخريات عمرها
فمع اشتداد مرضها تصوم صابرة محتسبة
و تقوم ليلا بين ثنايا الظلام
تصلى إلى الله ركعات
لا يراها فيها غيره و هذا الابن المشاكس الذى لا يفتأ ينظر أمه على كل حال ممكن .
كانت تجمع أبناءها فى نهار رمضان
تقص عليهم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم و أصحابه
و تبقى جزءا شيقا يربطهم به
و ما زالت تترجم كل جانب عملى يمكن للأبناء تطبيقه
فها نحن نسمعها فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم واقفا فى بطحاء مكة اللافح
لا يمنعه الحر من الصلاة
و خارجا للحرب وهو صائم
لا يمنعه الصوم من الخروج
و حاملا الحجارة و التراب يعمل أعمالا شاقة فى حفر الخندق و هو جائع
لا يمنعه الجوع من القيام بتلك الأعمال .
نرى تلك الصور فيزداد صبرنا على الصوم
و ترنو نفوسنا إلى تقليده
فيخرج أحدنا إلى الشارع ليقف أمام الشمس
ليحاول أن يشعر بما شعر به الرسول
و يمسك آخر بكوب ماء يصبه أمامه
ليرى الماء وهو ظمىء كما حدث لبلال و هو صابر على أذى المشركين .
حتى إذا ما أقبلت العشر الأواخر من رمضان
تطلب منا الذهاب إلى المعتكف فى المسجد
لنصلى فى جوف الليل ركعات مع المعتكفين
و لم يكن الشعور الدينى قد ساد - كما هو الآن –
فالمعتكفون لا يزيدون عن شخصين أو ثلاثة ممن طال عليهم العمر فطلبوا الرحمة من الخالق بقيامهم
, يمتاز أحدهم بابتسامة رقيقة
تخاطبنا دونما ألفاظ

كأنها تدعونا إلى المكث فى المسجد وقراءة القرآن .
مثلت فطائر العيد عقيدة راسخة فى أذهان النساء فى تلك المجتمعات
, فكانت تجمعهن حول إعدادها لتتخذها مدخلا لدفعهن إلى القيام والدعاء فى هذه الأيام المباركة
فيجتمعن فى رحابها تنصحهن وتوجهن
, يدها تسبق أيديهن إلى إعداد الفطائر
و خبرتها تبرع عليهن
فينتظرن توجيهاتها ليفزن بتلك الخبرة
فتطلب منهن الوضوء قبل بداية العمل
بعد أن تسبقهن إليه وتقوم بين الحين و الحين للصلاة
ثم تجلس لتطلب من واحدة أو اثنتين القيام للصلاة
و تدعو الله أن يوفقهن فى صنعتهن
ثم تتوالى بالدعاء بين الحين و الحين ليؤمنّ خلفها
تدعو بدعاء خفيف مما يسهل عليهن فهمه وترديده
و يظل الأمر هكذا حتى يؤذن للفجر
ثم ترسل الألواح إلى الفرن لتعود برائحتها الناضجة الشهية ذات الطعم الخاص .
وتبقى الأيام الأخيرة كلها هكذا
, كل يوم فوج من النساء,
منهن من أتين بالأمس
و منهن من لم ياتين
لينال أكبر عدد ممكن مما تنشره من رحمة و ليفزن بالصلاة و الدعاء فى كنف الرأفة .
_____
كيف كانت المذاكرة تتم ؟
وما قصة خطابات الرسومات ؟
كيف عالجت مشكلة اختناق طفلها الصغير ؟وما العقاب الواقع على المتسبب ؟