الاثنين، 21 يوليو 2008

أمــــى4

أمــــى 4
وتبقى ملابسنا جزءاَ من حياتنا حتى إذا ما أضحى مآلها إلى غيرنا ,
نفاجأ بحقيبة كبيرة تخرج من تحت سرير الوالدين وتعرض أمى ملابسنا الجديدة التى أرسلها الوالد من سفره أو اشتراها لنا فى فترة إقامته معنا ,
و يبدأ كل فرد منا فى اختيار ما طلب شكله و لونه آنفا ,
و بين لحظات السعادة والفرح تخبرنا أمنا أننا لم نعد فى حاجة إلى تلك الملابس القديمة و علينا أن نعطيها لخالقنا الذى أرسلها لنا ,
فخالقنا الذى يسّر العمل للوالد يأمرنا أن نتصدق بها لمن يحتاجها ,
و لن يقبل الله تلك الصدقة منا إلا إذا أنكرنا معرفتنا لهذه الملابس حين رؤيتها على أجساد الآخرين ,
فنفعل ذلك متمنين من الله أن يمنحنا ثوابا عظيما ,
و ظل بعضنا يتفاخر على بعض أنه لم ينظر إلى ملابسه التى يرتديها فلان أو فلان ,
حتى تعاظم الأمر فى نفوسنا فصرنا لا نذكرها مطلقا .
كانت لها نفس معطاءة من هذه النفوس النادرة التى ترى السعادة فى إسعاد الآخرين ,
فالدنيا فى نظرها أيكة عظيمة أصاب بعضهم أوراقها و بعضهم ثمارها و ظل بعضهم عالقا فى أغصانها لم يحظ بشىء إلا الارتفاع الشكلى والعلو المكانى ,

بينما بقى البعض عاجزا عن الصعود مكتفيا بالنظر إلى من هم أعلى منه ,
عاشت تحسب أن رحمة رقاب هؤلاء هى سبب لبقاء من علا فى علوه ,
و من يجحد نعمة ربه و لم يشكرها , يهو من فوق الأيكة فيصب و يفتقر ؛
فشُكر الله سبب لدوام النعمة و زيادتها .
فصنعت من بيتها بيتا للفقراء والمساكين ,
تطعمهم و تسقيهم دون أن تشعر أحدهم بغربة المكان أو الأشخاص ,
فكان الباب مفتوحا على مصراعيه حقيقة لا مجازاَ , ما دمنا فى فصل الصيف ,
و لا يغلق إلا مواربة وقت الظهيرة و إغلاقا تاما بعد منتصف الليل .
أما إذا أقبل الشتاء فهو مفتوح على مصراعيه مجازا ,
فلا يغلق فى وجه أحد مطلقا .
كان الحى الذى نسكن فيه حيا شعبيا وهى ابنة الأكابر , لكنها لم تشعر أحدا فى يوم من الأيام بغربتهم عنها أو بغربتها عنهم .
اتخذ أهل الشارع الذى نقطن فيه مواضع ثابتة لآنيتهم فى ثلاجتنا ,
فهى الثلاجة الوحيدة فى الشارع التى تصلح لتلك المهمة آنذاك ,
بل لعلها فى الحى كله ,
فكان لكل أسرة ممن لا يملكون ثلاجات إناء للمياه معروف شكله معروفة أوصافه ,
و بقيت أنا من ينظم أمر الآنية , فإذا تشابهت الآنية أحكم بينهم ,
فلا أضع آنية متشابهة إلا وقد كتبت أسماء أصاحبها عليها فلا يختلف اثنان أبدا ,
و تبدو كلمات الشكر و التقدير الموجهة إلىّ من أمـــى كالنسيم الرقيق والنغمة العذبة ,
فأشعر بالزهو و السعادة أن استطعت أن أقدم شيئا نافعا .
أشعرتنا بأن هذا هو حق للجار و ليس فضلا منا على أحد و حين تجالسنا و تنصحنا تخبرنا قائلة : " النبى أوصى على سابع جار " فترسخ هذا الأمر فى نفوسنا فبدأنا نعد الجيران و نخبرها بأن فلانا وفلانا قد جاوزا السبعة ,
فتقول : " سبعة بيوت وليست شقق " ,
فنعود إليها بعد فترة وقد أحصينا الناس إحصاء دقيقا بالشقق وبالبيوت ,
فتبتسم بسمة رقيقة و تجارينا فى العد و الإحصاء ثم تخبرنا
" أن وصية النبى تشمل أربعين جارا " ,
فنعود مدركين أن حقوق الناس لم تكتمل بعد و لكنا نريد ثلاجة غير هذه !!


حرصت على إطعامنا غذاء متكاملا ,
منوعة فى الأطعمة مخبرة إيانا بفائدة كل نوع و ما يشتمل عليه من فيتامينات وأثرها على أجهزة الجسم كلها ,
فكان لها شأن غريب فى طبخ وإعداد الطعام
وكانت تصطحب معها إلى السوق حقيبة عجيبة لا يستطيع أحد أبدا أن يدرك ما تحمله .
وقد صاحبتها إلى السوق الذى لم يكن يبعد عن ناصية شارعنا إلا بيتين ,
صاحبتها مرات عدة فتمر على الجزار تودع عنده الحقيبة ليضع فيها ما طلبته ,
وترجع بعد شرائها متطلباتها واضعة إياها فوق اللحم .
فإذا اشترت لحما أحضرت معه عظاما !!! لتمنح بعض جيراننا تارة لحما وتارة عظاما ,
فأعجب أشد العجب من إعطائها الجيران عظاما ,
و أقول لها : لماذا لا تعطيهم لحما فى كل مرة ؟

فتعود إلىّ إجابتها صمتا يشير إلى قصة ضخمة لا تريد إطلاعى عليها بعد .
وإن اشترت فاكهة اختلفت نصائحها لنا باختلاف نوعيتها ,
فإن كانت الفاكهة مما يتناوله أهل الحى نصحتنا بعدم الخروج بها أمام الناس ,
و إن لم تكن كذلك تصبح النصائح أكثر تشديدا والمراقبة مستمرة حتى ينتهى أثر الفاكهة من بيتنا ,
فكأن هذا النوع من الفاكهة لم يدخل البيت مطلقا , فهى فاكهة خفية ,
أما الفاكهة الظاهرة , فهى ما يأتى بها زائر لنا حاملا إياها أمام مرأى أعين الناس ,
فتصير من نصيب أهل الشارع مهما كان نوعها ويبقى للفرد منا نصيبه أيضا .
___________________
لماذا تشترى العظام ؟؟!!
ولماذا تهدى بعضهم منها دون اللحم أحيانا ؟
لماذا لايغلق باب الشقة صيفا قبل الثانية عشرة مساء بالتحديد؟
ولماذا كانت تحب المواسم و تحصيها وتنتظرها ؟

هناك 14 تعليقًا:

bota يقول...

السلام عليكم

جميل اوي وصفك لامك
ربنا يباركلك

hona_ana_3 يقول...

جزاكم الله خير يا استاذ احمد على محاولة توضيح فضل الام على هيئة قصه
اسلوب راقى فى التوضيح و أحييك عليه
اتمنى الدوام والدعاء
اخوكم فى الله
احمد عبدالله

سيف الدين يقول...

واذا الهموم تجمعت وتكاثرت فورا الى صدر الحنونة اهرب.....لم اعد اجد هذا الحنان...اللهم اغفرلها وارحمها وباعد بينها وبين النار وقربها من جنتك انك انت الغفور الرحيم

أختكم فى الله يقول...

بنحاول نتغير 5

ياريت تشرفونا و تقروا الفكرة و تقولولنا رأيكم

dido يقول...

السلام عليكم
بجد واحه من الراحه النفسيه وكاني في المدينه الفاضله
لو كانت دي قصه ترويها لنا من اجل معرفه مكانه الام فجزاك الله عنا خيرا
اما لو كانت دي تجربه حقيقيه فبسم الله ماشاء الله نعم الام ونعم الولد البار بامه
ومنتظرين منك المزيد
الي الامام

elsha3er يقول...

السلام عليكم بجد عجبتنى اوى ومش عارف ليه اثرت فيا بجد احيت عقلى لكتابة قصيدة للام

احمد الشاعر

شيماء زايد يقول...

مشاعر رهيفة
ادت إلي سرد ذكريات جميله
باسلوب صادق

بارك الله فيكم

elsha3er يقول...

ازيك يا احمد شكرا على تعليقك بجد انا كسبت صديق وطبعا عايزك تسيب نقد بناء وطبعا ياريت تسا عدنى

احمد الشاعر

loka يقول...

السلام عليكم
بصراحة الكلام رائع جدا ومؤثر وانا حاسه ان الحكايات ديه حقيقية وواقعية لأن فيها عظمة امهاتنا وحكمتهم
وبالنسبة لاختيار الاسلوب القصصى فجاء مشوق للغاية وممكن كمان يجذب شباب كتير ويكون وسيلة للدعوة للبر بالوالدين
والأجمل من كده ان احنا نلاقى مدرسين ليهم اهتمامات جميلة ومبدعة كده ياريت الكل يقتضى بحضرتك والى اللأمام دائما انشاء الله
والسلام ختام

أختكم فى الله يقول...

cwربنا يكرمك يا رب ويبارك فى حضرتك

كلمات رائعة

انا اسفة اوى على التاخير فى التعليق والله النت عندى والكمبيوتر بايظين انا حتى لما بعلق او بنشر اى حاجة بتكون من برة

ارجوك تقبل اعتذارى

واحد من البلد دى يقول...

السلام عليكم

أعتذر عن الغياب

لكن و الله غصب عنى

بارك الله لك

إستمر و حتى لو لم تجد تعليقا واحدا

فثوابك عند رب العالمين عظيما

رحم الله أمك و سائر المسلمين

دمت خلوقا

غير معرف يقول...

السلام عليكم

دى اول مرة ازةر مدونتك بس اكييييييد مش الاخيرة وبعدين اسلوبك شيق جدا فى سرد الكلام .

ربنا يوفقك وكل الاسئلة دى ليها اجابات كتير بس اكيد والدتك اعلم بيها ، ربنا يوفقك

جنّي يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كل عام وأنتم بخير
كل عام وأنتم صائمون
كل عام وأنتم مصلون
كل عام وأنتم قائمون
كل عام وأنتم قانتون
كل عام وأنتم متصدقون
كل عام وأنتم مغفور لكم
كل عام وأنتم معتمرون
كل عام وأنتم قائمون ليلة القدر
كل عام وأمتكم الإسلامية منتصرة

اللهم بلغنا رمضان وأهلّه علينا بالسلامة والإسلام واليمن والبركات والنصر والتمكين

أخوكم
سعيد

maxbeta3zaman يقول...

أكرم بتلك من ام ...وجزاها الله على صالح عملها خير الجزاء ..هذه هى الأمثلة التى يجب ان يراها الناس ليتعلموا فعل الخير بدلا من مسلسلات الخيابه ونور وشحرور ... هنيئا لك بأمك